لا تُناسب القيم الٳسلامية.. جدل في حلب: دعوات لـ إلغاء مادتي الموسيقى والرسم!

مسعود محمد

شهدت مدينة حلب خلال الأيام الماضية تحركات محدودة وبيانات متداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تطالب وزارة التربية بإلغاء مادتي الموسيقى والرسم من المناهج المدرسية، بدعوى أنها “لا تتناسب مع القيم الإسلامية”.

ورغم أن المظاهرة التي تحدثت عنها بعض الصفحات لم تُؤكَّد رسميًا، فقد أثارت الجدل في الأوساط الثقافية والتعليمية، خصوصًا بعد تداول أنباء عن توقف نشاط معهد “صباح فخري” للموسيقى في المدينة، ما ربطه البعض بتصاعد نفوذ تيارات دينية محافظة في المجتمع الحلبي.

من جانبها، نفت مصادر رسمية سورية وجود قرار بإغلاق المعهد أو حذف المواد الفنية من المناهج، مؤكدة أن التوقف المؤقت في نشاط بعض المؤسسات الفنية يعود إلى أسباب إدارية ومالية لا علاقة لها بقرارات فكرية أو دينية.

في المقابل، عبّر مثقفون وفنانون سوريون عن قلقهم من تنامي الخطاب الرافض للفنون في المجتمع، مشيرين إلى أن أي تراجع في دعم التعليم الفني والموسيقي يمثل “ضربة لهوية سوريا الثقافية المتعددة التي كانت تميزها لعقود”.

تحليل: هل تتجه سوريا نحو “تأسلم اجتماعي” جديد؟

يرى مراقبون أن الجدل الدائر في حلب يتجاوز مجرد الخلاف على مواد دراسية، ليعكس صراعًا أعمق حول هوية المجتمع السوري بعد الحرب. فالمجتمع الذي عاش سنوات من التمزق والتطرف يحاول اليوم إعادة تعريف نفسه بين تيارين:


الأول، تيار مدني ثقافي يدعو إلى استعادة الفن والموسيقى كجزء من إعادة الإعمار الروحي والثقافي.
والثاني، تيار محافظ يريد أن يطبع الحياة العامة بقيم دينية أكثر تشددًا بحجة “حماية الهوية الأخلاقية”.

ويحذر محللون من أن هذا الاتجاه، إذا تُرك دون توازن، قد يؤدي إلى تآكل الطابع المدني للدولة السورية، خاصة في بيئات شهدت تمددًا للفكر الديني المتشدد أثناء الحرب.
لكن في المقابل، لا توجد مؤشرات رسمية حتى الآن على تبني الدولة السورية أي سياسة تعليمية ذات طابع ديني شامل، بل ما تزال وزارة التربية تؤكد على الحفاظ على التعدد الثقافي والفني في المناهج.

ويعتقد بعض المراقبين أن إثارة هذه القضية في هذا التوقيت قد تحمل بُعدًا سياسيًا أو اجتماعيًا، إذ تُستخدم مسألة “الفنون في التعليم” كورقة ضغط رمزية في صراع أوسع بين قوى اجتماعية مختلفة على هوية سوريا الجديدة.

التنوع السوري… هوية مهدَّدة

تُعدّ سوريا واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعًا ثقافيًا ودينيًا ومجتمعيًا؛ فهي موطن العرب والكرد والآشوريين والأرمن والتركمان، وتضم طيفًا واسعًا من المسلمين والمسيحيين والدروز والإسماعيليين وغيرهم. وعلى مدى قرون، شكّل هذا التنوع مصدرَ غنى حضاري انعكس في فنّها وموسيقاها وأدبها وعمرانها، وكان جزءًا أساسيًا من هوية البلاد الوطنية.

لكن الحرب الطويلة، وما خلّفته من انقسامات فكرية وطائفية، أضعفت هذا النسيج المتعدد، وأتاحت المجال أمام نزعات فكرية أحادية تحاول فرض رؤية دينية أو أيديولوجية واحدة على المجتمع والتعليم والثقافة.
ويحذّر مثقفون سوريون من أن أي مساس بالمواد الفنية أو الثقافية في المناهج الدراسية يعني عمليًا إلغاء رمزيًا للهويات المتنوعة التي شكّلت وجه سوريا التاريخي، وتحويل المدرسة من فضاء للانفتاح إلى أداة لقولبة الأجيال.

إن الخوف الحقيقي اليوم ليس من مظاهرة هنا أو فتوى هناك، بل من تحوّل التعدد السوري الغني إلى ثقافة أحادية الصوت والرؤية، تُقصي الفن وتضيّق على الفكر. فحماية هذا التنوع ليست ترفًا ثقافيًا، بل شرط وجود لسوريا نفسها كدولةٍ عاشت قرونًا على تناغم الاختلاف.

رغم غياب أي قرارات رسمية حتى اللحظة، فإن مجرد تداول فكرة إلغاء مواد الفن والموسيقى يسلّط الضوء على معركة القيم التي يعيشها المجتمع السوري بعد عقد من الحرب.


سوريا، التي كانت يومًا منارة للغناء والمسرح والفن التشكيلي، تجد نفسها اليوم أمام اختبار دقيق: هل ستعيد بناء الإنسان السوري بالثقافة والانفتاح، أم ستسمح بانكماش المجتمع داخل قوالب دينية ضيقة؟